المقاطعة واجب ديني وشرعي وأخلاقي كأضعف الإيمان
المقاطعة واجب ديني وشرعي وأخلاقي كأضعف الإيمان
في ظل الجرائم الوحشية التي ترتكبها دولة الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، ومع استمرار العدوان على غزة وقتل الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ، يبرز الواجب الشرعي والأخلاقي للمقاطعة كأحد أبسط أشكال الاحتجاج السلمي، وكأضعف الإيمان الذي يمكن لأي مسلم مخلص القيام به.
أولًا: المقاطعة واجب ديني وشرعي
المقاطعة ليست مجرد موقف سياسي، بل واجب شرعي يستند إلى قاعدة أصيلة في الشريعة الإسلامية وهي الولاء والبراء. قال الله تعالى:{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113].فكيف يُعقل أن يُسهم المسلم، بماله أو شرائه، في دعم كيان يقتل المسلمين، ويدمر بيوتهم، ويحاصرهم؟وقد قال العلماء: "من أعان ظالمًا على ظلمه لقيه الله مغضوبًا عليه"، فكيف بمن يشتري منتجات يعلم علم اليقين أن جزءًا من أرباحها يُرسل لدعم آلة الحرب الصهيونية؟
ثانيًا: البعد الأخلاقي للمقاطعة
المقاطعة أيضًا تعبير عن الضمير الإنساني. هي رسالة رفض أخلاقي للقتل والتدمير. حتى غير المسلمين من أحرار العالم، في أمريكا وأوروبا، خرجوا في مظاهرات وشاركوا في حملات مقاطعة المنتجات المرتبطة بالاحتلال، رغم أنهم لا يجمعهم بالشعب الفلسطيني دين أو لغة، بل فقط حس إنساني حر.
فما بال المسلم الذي يتقاعس؟ أي عار أعظم من أن يقف الغربي مع غزة، بينما المسلم يشتري منتجات تدعم قتل أهله؟
ثالثًا: الأثر الاقتصادي للمقاطعة
للمقاطعة أثر اقتصادي فعّال ومثبت. من الأمثلة:
سلسلة ماكدونالدز أعلنت في 2024 عن إغلاق عشرات الفروع في الشرق الأوسط وتسريح مئات الموظفين بسبب تراجع الأرباح نتيجة لحملات المقاطعة.
شركة ستاربكس تكبّدت خسائر بمليارات الدولارات، وأقرت في تقاريرها المالية بتراجع المبيعات بسبب الوعي المتزايد بقضايا فلسطين.
تقارير عالمية بيّنت أن المقاطعة الشعبية تُجبر بعض الشركات على مراجعة سياساتها وتقديم توضيحات أو سحب دعمها العلني للكيان.
معظم هذه الشركات تخصم من أرباحها تبرعات للمؤسسات الصهيونية العسكرية والتعليمية، سواء بشكل مباشر أو عبر مؤسسات "خيرية" تنشط في دعم جيش الاحتلال.
رابعًا: لماذا لا تحظر الحكومات هذه المنتجات؟
الحقيقة أن الحكومات في الدول الإسلامية والعربية لا تستطيع حظر منتجات هذه الشركات لأنها موقعة على اتفاقيات "منظمة التجارة العالمية"، التي تمنع التمييز ضد منتجات دول معينة، إلا في حال تعارضها مع الثقافة المحلية. لذا فإن المقاطعة تبقى سلاح الشعوب، وأداة المقاومة الشعبية.
خامسًا: حين يقف غير المسلم ويقاطع، فمن باب أولى أن يفعل المسلم
من المؤسف أن ترى بعض المسلمين يستهزئون بالمقاطعة أو يسخرون منها، أو حتى يحرضون ضدها، وكأنهم ناطقون باسم الشركات أو الحكومات العميلة، التي تتلقى توجيهاتها من أجهزة مخابرات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالاحتلال، لا تخدم المصالح الوطنية ولا القومية، بل ما هي إلا امتداد لأنظمة ما بعد الاستعمار.
الخاتمة
إن أقل ما يمكن فعله هو أن نمتنع عن دعم من يقتلنا. المقاطعة ليست نهاية المطاف، لكنها بداية وعي، وخطوة نحو الكرامة. هي تعبير عن نصرة المظلوم ورفض الظالم، وهي واجب ديني وأخلاقي واقتصادي لا يسقط عن المسلم، مهما ظن أنه بعيد عن ميادين الجهاد.
المقاطعة التجارية والدعوة لها أمر مشروع قانونا وشرعًا، وحقٌ مدنيٌ من حقوق الإنسان، في وجه المستغلين والمحتكرين والمفسدين في الأرض كالشركات الداعمة للكيان الصهيوني الغاصب. ومن الجانب المدني، فإن الدعوة للمقاطعة والتعبير عن هذا الموقف السلمي الرافض للاستغلال والعدوان حق مكفول بموجب المواثيق الدولية، وهو من أدوات الشعوب الحرة في مقاومة الاحتلال والظلم والفساد.
ففي شريعتنا الغرّاء، يُعدّ الامتناع عن شراء سلع المحتكرين والمستغلين، أو الداعمين للعدوان والظلم، من وسائل الضغط المشروعة. وقد جاء عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الناس شكوا إليه غلاء اللحم، فقال:
"أرخصوه أنتم!"
قالوا: "وكيف؟"
قال: "اهجروه."
وهذا الموقف يُعدّ دليلًا واضحًا على مشروعية المقاطعة الاقتصادية كوسيلةً سلمية لمواجهة الاستغلال أو الطغيان والعدان، سواء أكان داخليًا من قبل التجار الجشعين، أم خارجيًا من قبل شركات تدعم العدوان على أهلنا في فلسطين، وتغذّي آلة الحرب الصهيونية.
بل إن الامتناع عن دعم من يساند القتل والاحتلال والظلم، هو من أوضح صور الولاء للمظلومين والبراءة من الظالمين، وقد قال الله تعالى: "وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ" [هود: 113]
فلتكن المقاطعة سلاحنا في وجه من ينهب أقواتنا، أو يقتل أهلنا، أو يدعم الظالمين على حساب المستضعفين.
ولا تكن أقل إنسانية من غير المسلم، ولا تكن خادمًا للقاتل بمالك وأنت تملك أن تقول "لا".
تعليقات
إرسال تعليق
تسعدني قراءتك وتفاعلك مع المقال