ضرورة إشراف علماء الأمة على من يتولى أمر بلاد الحرمين الشريفين

 

ضرورة إشراف علماء الأمة على من يتولى أمر بلاد الحرمين الشريفين






بلاد الحرمين الشريفين – مكة المكرمة والمدينة المنورة – ليست مجرد أرض كبقية الأرض، بل هي الموضع الذي جعله الله تعالى قبلة للمسلمين، ومهوى أفئدتهم، ومنطلق رسالة الإسلام، وموضع أعظم شعائر الدين. وهي الأرض التي جعل الله أمنها فرضًا، وعبادتها مقصدًا، وقدسيتها عظيمة في الشرع، ومن ثم فإن من يتولى أمرها لا يُعد والياً محليًا، بل هو مسؤول أمام الأمة جمعاء، وأمام الله تعالى أولًا.


أولاً: أسباب ضرورة إشراف الأمة وعلمائها على شؤون الحرمين:

1. الحج والقبلة والتوجه اليومي:
كل مسلم على وجه الأرض يتوجه إلى الكعبة المشرّفة في صلاته خمس مرات في اليوم، ويحج إليها القادرون من كل فج عميق، قال تعالى: "فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" (البقرة: 144)، وقال: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ" (آل عمران: 97). فهل يُعقل أن تُترك هذه القبلة، وهذا البيت، وهذه الشعيرة، لمن لا يخشى الله، ويستخدمها لمآرب سياسية، أو لمصالح اقتصادية، أو لتصفية الخصوم؟!

2. القدسية الخاصة لبلاد الحرمين:
قال الله تعالى: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ" (آل عمران: 96)، "وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا" (آل عمران: 97). وهذه قدسيةٌ أمر الله بحفظها، فمتى أصبحت هذه الأماكن مصيدة للمعارضين، ووسيلة ترهيب سياسي، نُقضت أوامر الله في أمنها وقدسيتها.

3. الوقفية الإسلامية العامة:
الحرمين ليسا ملكًا لحاكم أو أسرة، بل هما وقف للمسلمين جميعًا، والوقف لا يُباع ولا يُشترى، ولا يُدار حسب الأهواء. ومن فتح الباب للأجانب ليتملكوا أراضي مكة والمدينة، فقد خان الأمانة، وسهّل للطامعين أن يغرسوا أنيابهم في أقدس بقاع الأرض.

4. عالمية الإسلام وشمولية المسؤولية:
أمة الإسلام أمة واحدة، وشعائرها واحدة، وقبلتها واحدة، ولذلك فإن شؤون الحرمين ليست من صلاحيات حاكم دون الأمة، بل هي مسؤولية جماعية يجب أن يشترك فيها علماؤها وممثلوها من مشارق الأرض ومغاربها، كما أمر الله بالشورى: "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" (الشورى: 38).

5. الصهاينة وخطرهم المعلن:
المخططات الصهيونية لاحتلال الحرمين لم تعد سرًا حيث لا يتوقف قادتهم السياسيين والدينيين من الحديث عنها ورسمها في خرائطهم المزعومة لما يسمى إسرائيل الكبرى. وهم أثبتوا أنهم قادرون على تنفيذ مخططاتهم وفلسطين أقرب مثال بل وسيطرتهم على معظم الدول الغربية. وقد فتحت القيادة الحالية الباب لهم من أوسع أبوابه: بالسماح لهم بدخول الحرمين باسم السياحة، وبتمكينهم من التملك عبر تعديل القوانين التي تمنع غير المواطنين من امتلاك العقار في مكة والمدينة عن طريق الشركات والحصص الاستثمارية. وهو ما يُعد تمهيدًا خطيرًا، يشبه من يفتح بيته للصوص وهم يعلنون نيتهم لسرقته.




6. تسييس الحرمين وتحويلهما إلى مصيدة:
من أبشع صور التلاعب بقدسية الحرمين أن يُستخدمَا لتصفية الخصوم السياسيين، واعتقال من لجأ إلى بيت الله، كما وقع لكثير من الدعاة والمعارضين. قال الله تعالى: "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا" (البقرة: 125)، "وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا" (آل عمران: 97). فكيف تُنتهك أوامر الله في أمن بيته؟ وأي خيانة أعظم من أن يُستدرج المسلم ليُعتقل أو يُسلَّم من داخل حرم الله؟

7. خطر الفاسق أو المرتد في موقع القرار:
قال النبي ﷺ: "إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين" (رواه أبو داود). ومن تولى أمر المسلمين وهو فاسق أو موالٍ لأعداء الله، فإنه يهدم الدين من الداخل، ويضلّل العوام، ويعبث بالمقدسات، ويجعل الدين وسيلة للهيمنة، لا وسيلة للهداية.

ثانيًا: الدور الواجب على علماء الأمة تجاه من يتولى حكم الحرمين والجزيرة العربية:

1. البيان الواضح للموقف الشرعي:
إذا فسد حال الحاكم، أو ظهر منه الكفر البواح، أو والى أعداء الله، أو استخدم الحرمين للإضرار بالأمة، وجب على العلماء أن يبينوا الحكم الشرعي في ولايته، بلا مواربة ولا خوف، تأسّيًا بأمر الله بقوله: "الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ" (الأحزاب: 39).

2. الفتوى الفردية والجماعية من كل عالِم:
لا ينتظر العلماء إذنًا من سلطة ولا نظام، بل عليهم أن ينهضوا كل من موقعه، ويصدروا فتاواهم فرادى وجماعات، في نصرة الدين، وإنكار المنكر، والدعوة إلى إصلاح الحكم، أو تغييره إذا اقتضى الشرع.

3. كشف التلاعب بالدين وتسخير الحرمين للظلم:
من يستغل الحرمين لتثبيت ملكه، أو ترويج الفساد، أو قمع المعارضين، أو التمهيد للغزو الفكري والاقتصادي والسياسي، يجب أن يُكشف فعله للناس، وتُعلن مخالفته للشرع، لأن الحرمين ليسا ملكًا شخصيًا، بل أمانة في عنق الأمة.

4. الدعوة إلى استعادة الأمة دورها في الإشراف على الحرمين:
لا بد من المطالبة الواضحة بعودة المسلمين إلى المشاركة في أمر الحرمين، من خلال استنفار علماء الأمة في أصقاع الأرض، كل من موقعه، لإصدار المواقف والفتاوى والبيانات، وتوجيه الأمة نحو الموقف الصحيح، متى ظهر الخطر أو الانحراف.

خاتمة:

قال الله تعالى: "وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" (المائدة: 44)، وقال النبي ﷺ: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" (رواه أحمد). وإن أعظم المعاصي اليوم أن يُستغل بيت الله في الظلم، أو يُسلَّم لأعداء الله باسم الاستثمار والانفتاح، أو يُدار كأنه مرفق تجاري لا شعيرة دينية. والواجب على الأمة أن تنهض للدفاع عن حرماتها، وعلى علمائها أن يقولوا الحق مهما كلفهم ذلك.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحكومة السعودية تقتل صحفيا آخر: الصحفي تركي الجاسر

سيرة المحامي إسحاق الجيزاني - مع بعض الذكريات

أسباب إنقلاب الأنظمة العربية على جماعة الإخوان المسلمين