قصر نيوم: تبذير مفرط وسمة من سمات الاستبداد
قصر نيوم: تبذير مفرط وسمة من سمات الاستبداد
قصر بن سلمان الجديد في نيوم، بمساحة تقارب 2,800,000 متر مربع، يضم ملعب غولف فاخر، مجموعة من القصور والفلل التابعة لحاشيته وحاشية ضيوفهم وقروبات المتعة (بتوع البكيني)، إضافة إلى مهابط مروحيات، مشفى خاص، ومراكز صيانة وخدمات، في صورة فارهة تتجاوز كل المعايير. لكن ما يلفت الانتباه أكثر من البذخ، هو غياب أي مبرر لهذا القصر في ظل وجود عدد كبير من القصور الملكية، بعضها شبه مهجور، وكلها محصنة، ومعزولة، ومؤمّنة بأفضل التجهيزات العسكرية، كقصر الجزيرة في جدة، الذي سبق لولي العهد أن استخدمه في مرحلة سابقة للانقلاب على سلفه محمد بن نايف.
كثرة القصور سمة كل طاغية:
كثرة القصور ليست علامة رخاء، بل إحدى السمات الثابتة لكل مستبد؛ فالمستبد دائمًا يراكم القصور كلما شعر بالغربة عن شعبه، ويحصّن نفسه كلما زادت الفجوة بينه وبين الواقع. واللافت أن قصر نيوم ليس استثناءً، بل تأكيد لهذه القاعدة، في بلد تتراجع فيه مستويات المعيشة، وتتآكل فيه الطبقة المتوسطة، ويطالب فيه المواطنون بشد الأحزمة بينما تُفتح الخزائن لمشاريع لا تمس حياتهم في شيء.
لا مبالاة بالمواطن... وتبذير من المال العام:
إن بناء قصر بهذه الضخامة والتكلفة يعكس حالة لا مبالاة واضحة بمعاناة المواطن، بل استهانة مباشرة بمشاعره واحتياجاته. فالدولة التي تُحمل المواطن أعباء "الإصلاح الاقتصادي"، وتزيد الضرائب، وتقلص الدعم، لا يمكن أن تبرر مثل هذا الإنفاق الفاحش إلا إذا كان الحاكم لا يرى الشعب أصلًا أو لا يعنيه. ومتى غاب الشعور بالمسؤولية، غابت المحاسبة، وانتفى التوازن بين السلطة والواجب.
الموقع ليس بريئًا... قرب "أخواله" الصهاينة:
الاختيار الجغرافي للقصر في نيوم يبدو متعمدًا أيضًا. فهو قريب من إسرائيل، عبر ميناء إيلات، بما يُتيح للملك منفذًا سريعًا في حال اندلاع اضطرابات داخلية أو انقلاب عليه. كذلك هو قريب من الأردن، التي لن تكون حليفًا له إن سقط من السلطة، فالدول لا تساند إلا من بيده الحكم، لا من خرج منه. إضافة إلى ذلك، فإن بعد القصر عن الحدود الجنوبية يعكس خشية واضحة من صواريخ الحوثيين، التي أثبتت أنها قادرة على الوصول حتى إلى فلسطين المحتلة، لا إلى نيوم فحسب.
ترف له... ومعاناة للناس:
هذا القصر ليس سكنًا، بل منتجعًا خاصًا للترفيه عن النفس والنخبة المحيطة به، في وقت تتزايد فيه معاناة المواطن، ويتم الضغط على الناس لقبول تحولات اجتماعية تمس القيم والدين، تحت شعار "الانفتاح". فالمواطن الذي أُنهك اقتصاديًا، يُدفع قسرًا لتقبّل وجود الخمور، القمار، وتجارة الجسد كسياحة معترف بها، تمامًا كما حصل في دول أخرى تم إغراقها في الفساد لتكون أكثر طاعة ومساومة على مبادئها.
قصر نيوم ليس مجرد مبنى، بل رمز صارخ لنهج يقوم على الترف الشخصي مقابل الإفقار العام. هو نتيجة مباشرة لحكم فردي لا يعرف المحاسبة، ولا يرى في الشعب شريكًا، بل جمهورًا يجب تطويعه بالقوة، أو تهميشه بالبذخ. وهو، مثل كل قصور الطغاة، محاولة للهروب من الحقيقة، لا مواجهتها. لكن القصور لا تمنع الانفجار إذا تراكم الظلم، والتاريخ شاهد.
تعليقات
إرسال تعليق
تسعدني قراءتك وتفاعلك مع المقال