ينبغي أن نضع جميع الاحتمالات بشأن حركة الملثمين الأحرار

 

ينبغي أن نضع جميع الاحتمالات بشأن حركة الملثمين الأحرار




إذا أحسنا الظن، فقد نعتبرها حركة فردية، تعبر عن مبادرات شخصية من شباب محبطين لا تربطهم صلة تنظيمية ببعضهم البعض.

مع ذلك، تبقى الهواجس قائمة بشأن توقيت ظهورها المفاجئ، ثم انحرافها بسرعة نحو لغة السلاح، والادعاء بوجود تنظيم مسلح متكامل على الأرض. لهذا، لا ينبغي استبعاد أي سيناريوهات أخرى. هذا لا يعني التشكيك، بل فقط محاولة لفهم الصورة الكاملة قبل إطلاق أي أحكام.

فيما يلي محادثة تخيلية بين محمد بن سلمان والإدارة الأمريكية، تهدف إلى توضيح لماذا قد تفكر الحكومة السعودية في اختلاق أو توجيه جماعة مسلحة. بعض أجزاء هذه المحادثة قد تكون بالفعل جرت خلف الأبواب المغلقة بشأن رغبة محمد بن سلمان توقيع "معاهدة حماية شاملة" مع الولايات المتحدة:

الأمريكان: ما المبررات؟

السعوديون: لمواجهة الخطر الداهم من إيران وحلفائها الحوثيين.

الأمريكان: لكنكم نجحتم في إقامة علاقات ودية مع إيران، وبالتالي من غير المرجح أن تحرض إيران الحوثيين ضدكم. بعد المصالحة التي تمت بوساطة صينية، لم يعد هذا المبرر قائمًا. علاوة على ذلك، لم يهاجمكم الحوثيون أو يعتدوا على أراضيكم، بل أنتم من بدأ بالعدوان. وعلى الرغم من قدرتهم على توجيه ضربات مؤلمة لبُناكم التحتية الحيوية، إلا أنهم لم يفعلوا. إذًا، ممن تطلبون الحماية الشاملة؟

السعوديون: من المعارضين في الخارج.

الأمريكان: معارضوكم في الخارج قلة مشتتة، تنخرها النرجسية. قدرتهم على التعبئة داخل السعودية معدومة، وتأثيرهم في الداخل ضئيل، ولا يشكل تهديدًا حقيقيًا لكم.

السعوديون: نريد حماية الأسرة الحاكمة من أي ثورة داخلية أو جماعة إرهابية.

الأمريكان: لا توجد مؤشرات على ثورة، وقد قضيتُم على التطرف والمتطرفين بضربة واحدة، وبصراحة أنتم من أنشأهم أصلًا. أما القاعدة وداعش، فالكثيرون اليوم يعرفون حقيقتهم. فلنكفّ عن التمثيل. وبالمناسبة، لقد سجنتُم عشرات الآلاف بحجة محاربة التطرف والإرهاب، ونحن لا نوافق على هذا، ونطالبكم بالإفراج الفوري عن كل من لا علاقة له بالعنف أو السلاح أو التحريض.

انتهى الحوار.


وربما خرجت بعد ذلك فكرة #حركة_الملثمين_الأحرار، التي ظهرت فجأة من العدم. لم يمضِ أسبوع على ظهور أول ملثم، حتى خرج شخص آخر في مقطع فيديو يزعم فيه وجود تنظيم مسلح متكامل، في محاولة "لإثبات" وجود تهديد أمني فعلي.

وهنا نقول، سواء كانت هذه المحادثة التخيلية واقعية جزئيًا أو لا، فإن من الثابت أن الأنظمة الاستبدادية تلجأ غالبًا إلى افتعال أو تصنيع العنف. بل وقد تنشئ جماعات وهمية تزعم أنها تهدد الأمن العام، لتبرر بها حملات القمع، وتضفي على ممارساتها طابعًا قانونيًا تحت شعار حماية الاستقرار والنظام العام.

وهذا بالضبط ما فعله العسكر في الجزائر حين انقلبوا على نتائج الانتخابات عام 1992، وطبقوا استراتيجية قمع متكاملة، قدّموها لاحقًا نموذجًا لنظام بشار الأسد الذي استخدمها لقمع الثورة السورية عام 2011، كما توثقه تقارير ووثائق عديدة.





اليوم، وبعد التصالح مع قطر وإيران، واحتراق أوراق مثل "الإخوان المسلمين" والتنظيمات الإرهابية المزعومة كـ"القاعدة" و"داعش"، يبدو أن النظام بات بحاجة إلى "عدو داخلي" جديد، يبرر من خلاله جولة جديدة من القمع. وقد تكون حركة الملثمين الأحرار ذلك العدو المناسب، لتبرير اعتقال الساخطين والعاطلين، بتهم فضفاضة كـ"الاشتباه بالانتماء إلى تنظيم مسلح سري".


نخلص هنا إلى أن الحركة قد تكون واحدة من ثلاثة احتمالات:

  1. رد فعل فردي عفوي، من شباب محبطين يعانون من البطالة والذل، وتأخر صرف المساعدات الاجتماعية، وغياب أي فرص مستقبلية تُمكّنهم من بناء حياة كريمة أو الزواج.

  2. تم اختراقها جزئيًا من قبل الحكومة، أي أن الدولة ركبت الموجة بإدخال عناصر تابعة لها يدّعون أنهم جناح مسلح متكامل، يجمع المعلومات ويرصد ويتعقب ويشتبك، بهدف تشويه الحركة وإعطائها طابعًا عسكريًا، لتبرير حملات القمع داخل وخارج البلاد.

  3. منشأة بالكامل من قبل الحكومة نفسها، كتنظيم وهمي الغرض منه ترويج فكرة وجود خطر داخلي، يتم استخدامه لإطلاق حملة قمع واسعة تحت مظلة الحفاظ على الأمن والاستقرار.

بناءً على ذلك، من الأفضل نقل أخبار الحركة وتأييد مطالبها المشروعة والسلمية فقط، فإن كانت جادة، فإن هذا سيدعم صوتها ولن يسيء إليها، بل سيحقق لها هدفها. وإن كانت مجرد خدعة حكومية، فلن يكون في هذا التفاعل أي تهمة، ولا يمنح الحكومة مبررًا قانونيًا أو أخلاقيًا لقمع الناس في الداخل أو الخارج بذريعة دعم جماعة مسلحة.

والله أعلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحكومة السعودية تقتل صحفيا آخر: الصحفي تركي الجاسر

سيرة المحامي إسحاق الجيزاني - مع بعض الذكريات

أسباب إنقلاب الأنظمة العربية على جماعة الإخوان المسلمين