حين يضحي الأمريكي بنفسه لأجل فلسطين، ويصمت العرب والمسلمين
حين يضحي الأمريكي بنفسه لأجل فلسطين
ويصمت العرب والمسلمين
(يا نعيش معًا بسلام وكرامة، يا ننتهي معًا، والموت أشرف من خذلانهم)؛ هذا ما ينبغي أن يكون عليه هتاف العرب والمسلمين وهم في الشوارع يطالبون حكوماتهم العميلة والمتخاذلة بالقيام بأقصى ما يمكنها القيام به لانقاذ غزة ولو دفعوا جميعا الثمن.
خذلان الشعوب العربية والإسلامية تجاه مأساة غزة لا يُعذر والله يضرب لهم أمثلة من أقوام أخرى ليسوا بعرب ولا مسلمين يقدموا أقصى التضحيات التي عرفتها البشرية احتجاجا على الظلم الذي يقع على أهل فلسطين.
أمريكا شبه قارة، وهذا الرجل النبيل يجول الولايات الأمريكية الخمسين للتوعية بقضية فلسطين، قاطعًا عهدًا بألا يعود لمنزله في ولاية تكساس الأمريكية حتى تتحرر فلسطين.
شعور والتأثر العميق لكثير من الأوروبيين برؤية ظلم الآخرين لا يعود لأسباب دينية، بل هو شعور متأصل في جينات الكثير منهم. فهذا الرجل يبدو أنه مسلم أمريكي، ومع ذلك لا أعتقد أن ما دفعه لذلك هو كونه مسلمًا. ففي العالم العربي والإسلامي الأغلبية مسلمون، ولا يفعلون شيئًا يُذكر من تضحيات الأوروبيين للتعبير عن رفضهم للظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، حيث يبلغ ببعضهم التصدي بجسده لجرافات الاحتلال الإسرائيلي، مثل الناشطة الأمريكية راشيل كوري، وجندي القوات الجوية هارون بوشنيل، الذي أحرق نفسه في مشهد أسطوري لم يتزحزح فيه بينما كانت النار تلتهمه، واستمر يهتف: "الحرية لفلسطين"، حتى قضى عليه اللهب. وهناك العديد من الأمثلة الأخرى.
لا أقول إن هذا الشعور منعدم لدى العرب، بل هو موجود لدى قلة قليلة. فلو كان هذا الشعور لدى الأغلبية، أو مقاربًا للنسبة التي لدى الغربيين، لكان حال العرب من حيث الحريات والكرامة أفضل من اليوم، ولما تجرأت حكوماتهم العميلة على دعم الاحتلال الإسرائيلي، والتواطؤ معه علنًا في إبادة إخوانهم في غزة.
هذا الشعور لا يقتصر على الشعور بالألم، بل يستحوذ على المرء تمامًا، ويؤثر على كامل حياته، مما يدفعه إلى ضرورة القيام بفعل ليبرئ ذمته من هذه المطالب، أو يدافع فيها عن المظلومين، ولو دفع مقابل ذلك مستقبله أو حياته ثمنًا لذلك. وهو -في اعتقادي- مشاعر تستحوذ على الإنسان الطبيعي الحر، دونًا عن من تجري في عروقهم العبودية تحت شعار الحكمة أو أي شعار آخر.
فلو كان العرب والشعوب الإسلامية، التي أفسدها فكر الأعراب المنافقين بمسألة الإرجاء، بالإفراط في (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، يذكرونها في كل مناسبة، لما استكانوا واتكلوا، وأعذروا أنفسهم من الخذلان والقيام بواجبهم الديني والقومي والعرقي والثقافي لنجدة إخوانهم في غزة. حيث من الطبيعي، عندما يجري مثل ذلك العدوان على طائفة من العرب والمسلمين، أن ينتفض جميع العرب والمسلمين، وكلمتهم واحدة: (يا نعيش معًا بسلام وكرامة، يا ننتهي معًا، والموت أشرف من خذلانهم).
قد يعلق أحدهم بأن للعرب مواطن تضحيات عديدة في القرن المنصرم، وحاليًا فقد شارك العديد من المسلمين في ميادين مختلفة للدفاع عن إخوتهم. والجواب هنا ببساطة أن ذلك ما كان ليكون لولا تحفيز وتشجيع الحكومات العميلة لخدمة مصالح وأجندات أسيادها. والمفترض والطبيعي أن يجري ذلك بدوافع ذاتية ناتجة عن تلك المشاعر المؤلمة، التي تستحوذ على المرء نتيجة رؤية مظالم تقع على الآخرين.
الواجب والمتوقع اليوم من العرب والمسلمين هو أن يخجلوا من أنفسهم، فهم كشعوب لا يختلفون عن تواطؤ وخذلان حكوماتهم العميلة، بل عليهم نفس الإثم، ما لم يكن أكبر، لتواطؤهم على الصمت، بينما إخوانهم يُذبحون، وحكوماتهم التي تمثلهم لا تفعل شيئًا. الواجب أن تخرج هذه الشعوب إلى الشوارع، ولا تبارحها إلا بقيام حكوماتها بما يتوجب عليها بحسب أقصى إمكانياتها. أن تخرج هذه الشعوب إلى الشوارع هاتفةً: (يا نعيش معًا بسلام وكرامة، يا ننتهي معًا، والموت أشرف من خذلانهم).
تعليقات
إرسال تعليق
تسعدني قراءتك وتفاعلك مع المقال