دمار غزة: جريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان ومسؤولية دولية وجنائية شاملة

 


دمار غزة: جريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان ومسؤولية دولية وجنائية شاملة








حدّثت شركة “جوجل” خرائطها لغزة، فكشفت الصور واقعًا مرعبًا: دمار شامل يمتد من الشمال إلى الجنوب، أحياء كاملة أُبيدت، ومرافق مدنية حيوية مُسحت من الوجود. لكنّ الصورة الأقسى هي ما تمثّله هذه الخرائط: وثيقة جنائية بصريّة تؤرخ لجريمة تطهير عرقي ممنهجة.


هذا الدمار الهائل ليس وليد ردّ فعل عسكري محدود، بل نتيجة سياسة ممنهجة تستهدف اقتلاع الإنسان الفلسطيني من بيئته وحرمانه من شروط الحياة الطبيعية، وهي سياسة تعكس نية واضحة لمنع العودة والاستقرار، وتشكل أحد أركان جريمة التطهير العرقي بحسب القانون الدولي، والتي تشمل: “إزالة جماعة سكانية بالقوة من أراضيها، وتدمير سبل عيشها، وفرض ظروف تجعل استمرار حياتها أو عودتها مستحيلة”.





يتحمّل هذا الإجرام أولاً الاحتلال الإسرائيلي، لكنه لا يقف وحده. تُسأل معه مباشرة الدول التي دعمت عدوانه ماليًا، وعسكريًا، ولوجستيًا، وسياسيًا، وهي: الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا. كما تمتد المسؤولية إلى القادة السياسيين، والوزراء، والبرلمانيين، والإعلاميين المحرّضين والمبرّرين، الذين وفّروا التغطية أو الدعم أو التبرير أو الصمت المتواطئ.


1. الأساس القانوني الدولي للمساءلة:

المادة 1 من اتفاقية جنيف الرابعة (1949): تُلزم جميع الأطراف بـ”احترام وضمان احترام” الاتفاقية في جميع الظروف، مما يحمّل الداعمين لإسرائيل مسؤولية قانونية مباشرة عن الجرائم التي ترتكبها.

مواد مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليًا (ARSIWA):

المادة 16: تفرض المسؤولية على الدولة التي تُساعد دولة أخرى في ارتكاب فعل غير مشروع.

المادة 41: تُلزم بعدم الاعتراف بالوضع الناتج عن الانتهاك ووجوب التعاون لإنهائه.

قرار محكمة العدل الدولية (جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، 26 يناير 2024): دعا جميع الدول إلى وقف الدعم العسكري واللوجستي لإسرائيل، واعتبر استمرار هذا الدعم مشاركة في الإبادة الجماعية.

اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (المادة 27): تمنع تبرير خرق الالتزامات الدولية بالقوانين الداخلية.

اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية:

المادة 25 و28: تُحمّل الأفراد – وليس فقط الدول – مسؤولية شخصية عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وتشمل المسؤولية القيادية، والتحريض، والتسهيل، أو الامتناع المتعمّد عن المنع رغم القدرة عليه.


2. القوانين الوطنية المنتهكة (مثال بريطانيا):

قانون الرقابة على الصادرات (UK Export Control Act 2002): يمنع تصدير الأسلحة لجهات يُحتمل استخدامها في انتهاكات جسيمة، وهو ما خُرق بوضوح عبر استمرار تصدير السلاح لإسرائيل رغم علم الحكومة باستخدامه في جرائم حرب.

الموقف الأوروبي المشترك 944/2008: رغم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا تزال المبادئ الأخلاقية والسياسية لهذا الموقف ملزمة، ويُمنع بموجبه تصدير السلاح إلى أنظمة تمارس القمع أو تنتهك حقوق الإنسان.


3. المسؤولية الفردية للقادة والسياسيين والإعلاميين:

يُحمّل القانون الدولي الجنائي مسؤولية مباشرة لكل من:

رؤساء الحكومات، والوزراء، وقادة الأركان الذين وافقوا على شحنات السلاح أو التسهيلات اللوجستية.

البرلمانيين الذين صوّتوا على ميزانيات أو تفويضات عسكرية رغم معرفتهم بالنتائج الكارثية على المدنيين.

الإعلاميين والمعلّقين الذين مارسوا التحريض أو التضليل أو حاولوا تبرير الجرائم بذريعة “حق الدفاع عن النفس” رغم الأدلة الدامغة على أنها أعمال إبادة وتطهير.

وفق نظام روما، يُمكن ملاحقة هؤلاء الأفراد على أساس:

التحريض العلني أو غير العلني على العنف أو التطهير.

توفير التغطية السياسية أو الإعلامية للجرائم.

الإهمال المتعمد في منع الجريمة رغم السلطة.


4. الحق في المطالبة بالتعويض وإطلاق المحاسبة:

إن ما كُشف من صور، وما تم توثيقه من قبل منظمات أممية وحقوقية، يُخوّل السلطة الفلسطينية أو المنظمات الدولية أو الناجين أنفسهم، المطالبة بتعويضات شاملة عن:

تدمير البنية التحتية.

التهجير القسري.

القتل خارج القانون.

الحصار ومنع الغذاء والدواء.

يمكن رفع قضايا أمام:

محكمة العدل الدولية (ICJ).

المحكمة الجنائية الدولية (ICC).

محاكم الدول ذات الولاية القضائية العالمية (مثل ألمانيا، بريطانيا، إسبانيا).

المحاكم المحلية في الدول الداعمة التي تسمح تشريعاتها بملاحقة جرائم الحرب الدولية.


خاتمة: نحو لاهاي ثانية:


ما تكشفه الصور ليس فقط آثار قصف، بل جريمة موثقة بالصوت والصورة. ما حدث ويحدث في غزة هوهولوكوست بطيءبتواطؤ دولي. هذه لحظة حاسمة لإطلاق محاكم لاهاي ثانية، لمحاكمة المسؤولين المباشرين وشركائهم في العواصم الغربية. كثير من هذه الدول تمتلك قوانين تتيح المحاسبة داخليًا، ولا تحتاج سوى محامين شجعان يحرّكون القضايا فورًا قبل فوات الأوان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحكومة السعودية تقتل صحفيا آخر: الصحفي تركي الجاسر

سيرة المحامي إسحاق الجيزاني - مع بعض الذكريات

أسباب إنقلاب الأنظمة العربية على جماعة الإخوان المسلمين