دور المجتمع الدولي في مواجهة التطهير العرقي في غزة: المسؤولية القانونية للدول الكبرى
دور المجتمع الدولي في مواجهة التطهير العرقي في غزة
المسؤولية القانونية للدول الكبرى
شهد العالم، وبخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، النوايا المُعلنة للتطهير العرقي الذي أطلقه قادة إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. ورغم هذه الانتهاكات الصارخة، فإن هذه الدول لم تتدخل لفرض تدابير عاجلة لوقف عمليات القتل والتهجير الجماعي، بل على العكس، سهلت تنفيذ مخطط التطهير العرقي من خلال الدعم السياسي المطلق في مجلس الأمن، والتبرير الإعلامي لهذه الجرائم، فضلاً عن تزويد إسرائيل بأدوات القتل والتدمير التي تستخدمها في إبادة الفلسطينيين.
إن موقف هذه الدول يعد انتهاكًا صريحًا لأبسط مبادئ القانون الدولي، وخاصة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 (Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide, 1948). هذه الاتفاقية تلزم الدول الأطراف باتخاذ تدابير فعّالة لمنع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها، سواء كان الفعل قد وقع داخل أراضيها أو خارجها. وعليه، فإن عدم تحرك هذه الدول يعد خرقًا جسيماً لالتزاماتها القانونية.
القانون الدولي والإبادة الجماعية: إطار المسؤولية القانونية
أما المادة الثالثة فتجرّم عدة أفعال ترتبط مباشرة بجريمة الإبادة الجماعية، ومنها:
-
الإبادة الجماعية.
-
التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية.
-
التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.
-
محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.
-
التواطؤ في الإبادة الجماعية.
تعد هذه النصوص مرجعية رئيسية في تحديد المسؤولية القانونية للدول التي تقاعست عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة.
التشريعات المحلية في الدول الكبرى: مسؤولية قانونية أم تغاضي؟
على صعيد التشريعات الوطنية، نجد أن ألمانيا قد وضعت إطارًا قانونيًا لملاحقة جرائم الإبادة الجماعية من خلال قانون الجرائم الدولية (Völkerstrafgesetzbuch – VStGB). يحدد هذا القانون اختصاص المحاكم الألمانية في محاكمة الجرائم التي ترتكب خارج الحدود الألمانية، بشرط أن تكون هذه الجرائم قد ارتكبت من قبل أو ضد شخص خاضع للقضاء الألماني. وفقًا للمادة 6 من هذا القانون، يعاقب بالسجن المؤبد كل من يرتكب أي فعل يهدف إلى تدمير جماعة قومية أو عرقية أو دينية كليًا أو جزئيًا.
في المملكة المتحدة، يعتبر قانون المحكمة الجنائية الدولية لعام 2001 (International Criminal Court Act 2001) أداة قانونية تسمح بمحاكمة أي شخص يرتكب أو يسهم في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية. حيث تنص المادة 51 (2) من هذا القانون على أنه يسري على أي شخص، سواء داخل المملكة المتحدة أو خارجها، متى كان خاضعًا للولاية القضائية البريطانية.
أما في الولايات المتحدة، فإن قانون المساءلة عن الإبادة الجماعية لعام 2007 (Genocide Accountability Act of 2007) يوفر آلية قانونية لملاحقة مرتكبي جريمة الإبادة الجماعية، سواء كانوا أمريكيين أو أجانب على الأراضي الأمريكية. وبموجب المادة 1091 من العنوان 18 من القانون الأمريكي، يعاقب بالسجن المؤبد أو الإعدام كل من يرتكب أو يحرض أو يسهل ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية.
المسؤولية القانونية الدولية: محكمة الجنايات الدولية ونظام روما
على المستوى الدولي، يعتبر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (Rome Statute of the International Criminal Court) هو الإطار القانوني الذي يحدد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الأفراد الذين ارتكبوا جريمة الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية. حيث تنص المادة 25 من النظام على أن الشخص الذي يرتكب جريمة ضمن اختصاص المحكمة يتحمل المسؤولية الجنائية، سواء كان قد ارتكب الفعل بشكل مباشر أو ساهم فيه بطريقة غير مباشرة.
العدالة الدولية: ضرورة محاكمة قادة الدول الكبرى
إن تهمة تسهيل ودعم التطهير العرقي في غزة من قبل قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، إلى جانب رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، هي تهمة مشروعة يجب أن تصل إلى محكمة دولية. يجب أن تُحاكم هذه الدول على غرار محكمة نورمبرغ (Nuremberg Trials) التي حاكمت مجرمي الحرب النازيين في أعقاب الحرب العالمية الثانية. هؤلاء القادة الذين سهلوا هذا التطهير العرقي يجب أن يتحملوا المسؤولية أمام محكمة دولية في سبيل تقديم العدالة للشعب الفلسطيني.
العالم يواجه مسؤولية جماعية في محاسبة أولئك الذين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية. إن تأخير اتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة ضد القادة المتورطين في التطهير العرقي لن يؤدي إلا إلى المزيد من الانتهاكات والدمار. يجب أن تُفعل القوانين الدولية والمحلية لمحاسبة هؤلاء المسؤولين وتحقيق العدالة للفلسطينيين.
تعليقات
إرسال تعليق
تسعدني قراءتك وتفاعلك مع المقال